منال أمين (عدن)

مدينة زبيد، الواقعة على بعد نحو 75 كلم جنوب شرق محافظة الحديدة غرب اليمن، تعتبر من أهم المدن التاريخية في المحافظة بشكل خاص وباليمن بشكل عام، تتعرض منذ سيطرة المليشيات الحوثية الانقلابية على المحافظة إلى انتهاك واضح لها من خلال استغلال مواقعها التاريخية والأثرية أماكن لها واستخدامها لأغراض عسكرية وتحويلها إلى مسرح للعمليات العسكرية تجعلها هدفاً واضحاً يهدد بقاءها واستمرارها كمعلم حضاري تاريخي ضمن معالم التراث الإنساني العالمي.
تكمن أهمية مدينة زبيد التاريخية، التي تبلغ مساحتها الكلية ما يقارب 245 هكتاراً، بامتلاكها خمسة أبواب تاريخية هي باب سهام في الشمال والشبارق في الشرق والقرتب في الجنوب والنخيل في الغرب وباب النصر في الجنوب الشرقي، ووجود القلعة المعروفة بدار الناصري الكبير التي أُنشئت في عهد الملك الناصر الرسولي على أنقاض قصور الزياديين والرسوليين في عام 828هـ، وامتلكها أكبر عدد من المساجد في اليمن، وهو ما يجعلها تمتلك مكانة عالمية حيث أصدرت منظمة اليونسكو عام 1993 قراراً باعتبار المدينة معلما حضاريا تاريخيا ضمن معالم التراث الإنساني العالمي، وفي مارس من عام 1998 صنفت ضمن المدن التاريخية العالمية.
دعوات دولية بحماية زبيد
كانت مدينة زبيد تعتبر عاصمة لليمن خلال الفترة بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر، كما كانت في السابق مركزاً للعلوم الإسلامية نظراً لوجود أكثر من 86 مسجداً على أراضيها، وحاليا تحذر المنظمات الدولية من استمرار القتال بالقرب من المدينة، لأنه يمثل تهديداً في بقائها كمدينة أثرية وتاريخية.
وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن أي تدمير للممتلكات الثقافية والتاريخية في المدينة سيسبب «خسارة فادحة» يتكبدها الأفراد والمجتمعات المحلية والإنسانية بصورة عامة، داعية جميع أطراف النزاع إلى حماية مدينة زبيد واحترام معالمها.
وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ممثلة برئيس بعثتها في اليمن ألكسندر فيت، أن القتال يشكل خطراً يحدق بالمدنيين والطابع المعماري الفريد لمدينة زبيد، كما أنه يمثل تهديداً حقيقياً للروابط الثقافية بالمدينة، مشددة وعلى ضرورة إيلاء اهتمام خاص في العمليات العسكرية لتجنب الإضرار بمثل هذا الموقع الأثري والتاريخي البارز.
وفي الإطار نفسه حذرت في وقت سابق المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو أيرينا بوكوفا، من أن تدمير المعالم الأثرية اليمنية سيشكل خسارة هائلة للبشرية، ووجهت منظمة اليونسكو نداءات كثيرة باحترام اتفاقية عام 1954 بشأن حماية المؤسسات الثقافية في حالة الحروب والامتناع من استهداف مواقع التراث الثقافي والأبنية التاريخية.
السعي لخروج الحوثيين
زبيد المدينة التي لا تتجاوز مساحتها 90 هكتاراً، تحكي معالمها ما مرت به من مراحل حكم مختلفة والتي شغلت فيها عاصمة ومركز حُكم وحاضرة علمية، حتى أنها كانت خلال فترات من تاريخها مركزاً هاماً من مراكز تعليم الإسلام السني على مستوى العالم.
وتمتلك مكتبة زبيد العامة التي تقع في الطابق السفلي من مبنى تزين واجهته الخارجية عشر نوافذ تبدو كقناطر مياه صغيرة، عدداً كبيراً من الوثائق والكتب الهامة التي تتحدث عن الأهمية التاريخية لهذه المدينة.
وفي هذا الإطار دعا نشطاء حقوقيون وإعلاميون ومهتمون بالآثار، الجميع إلى حماية التراث الثقافي اليمني كونه نتاج حضارة عريقة أسهمت بنصيب وافر في بناء الحضارة الإنسانية وتجنب استهداف المواقع الأثرية ومعالم التراث الثقافي.. مطالبين الحوثيين بالخروج من المواقع الأثرية والمباني التاريخية وعدم اتخاذها ساحات حرب، خاصة وأنهم يعملون على الاحتماء بالمواقع التاريخية في المدينة لإيمانهم بأن قوات المقاومة اليمنية والتي تدعمها قوات التحالف العربي ستسعى بشتى الطرق لعدم استهداف أي موقع تاريخي في المدينة التاريخية لعلمهم بمدى أهمية هذه المدينة التاريخية وأنها ملك للعالم وليس لليمن وحده.
الميليشيات تدمر الآثار
وفي تصريح لوزير الثقافة اليمني مروان دماج قال إن الميليشيات الانقلابية الحوثية ساهمت في تعرض المتاحف الوطنية والأماكن الأثرية في معظم المحافظات التي تسيطر عليها إلى أضرار كبيرة ومباشرة نتيجة استخدام الميليشيات السلاح داخل المدن الرئيسية، فضلاً عن أنها تتعمد تحصين مقاتليها في مواقع أثرية مهمة جداً وتحويل الموقع إلى منطقة عسكرية، الأمر الذي ساهم في إلحاق أضرار كبيرة بها فضلا عن جرائم هذه الميليشيات بتعمد زرع الألغام في مواقع تاريخية وأثرية وهو ما يجعلها تتعرض للإهمال الشديد وهو ما دفع منظمة «اليونسكو» إلى التهديد بأنها مستعدة سحب عدد من المدن الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثية من برنامج التراث العالمي.
مخاوف السكان
ومع اقتراب المعارك العنيفة بين القوات الشرعية الدعومة من التحالف العربي والمليشيات الانقلابية الحوثية الإيرانية من أسوار مدينة زبيد التاريخية، تتفاقم المخاوف بين سكان المدينة وبين كل من يهتم بالآثار التاريخية التي تمثل تاريخ اليمن والعالم الإسلامي في مصير المدينة الأثرية المهددة أصلا بالشطب من قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
ويؤكد سكان مدينة زبيد التاريخية أن اغلب البيوت في مدينتهم مبنية من الطين المحلي والنوافذ الخشبية التي تعتبر قديمة، كما أن المدينة تمتلك مباني أثرية كثيرة لا تحتمل أي اهتزازات أو صواريخ، وهو ما يزيد المخاوف من أن تتأثر بالاشتباكات الدائرة بين قوات الشرعية والمليشيات الحوثية المسلحة التي تتخذ من المعالم الأثرية والمواقع التاريخية مراكز للتمترس وتحويلها إلى مسرح للعمليات العسكرية. ويدعو سكان مدينة زبيد المنظمات الدولية إلى حماية مدينتهم من أي ضربات تصيب منازلهم التاريخية والمواقع الأثرية التي تمتلكها، ومن وصول الاشتباكات إليها وجعلها في مرمى الأهداف النارية، والحفاظ على هذا الموروث الحضاري وردع كل من تسول له نفسه العبث بالآثار.
زبيد.. التاريخ والدولة والثقافة
تمتلك مدينة زبيد التاريخية قلعة كبرى تعتبر من أكبر قلاعها الأثرية، يتكون من ترابط عدة أبنية ومرافق متكاملة (مسجد ، بئر ، مخازن ، عنابر ، إسطبلات خيول ، دار حكم ) ويحيط بها سور واحد وحائط مسجد الميلين - الإسكندرية، حيث أظهرت الحفريات التي أجرتها بعثة أثرية كندية أن جدار القلعة الحالي بني عام 1940، كما كشفت الحفريات التي تمت تحت الأساسات ووسط فناء القلعة على عمق ثمانية أمتار الطبقة الأرضية التي قامت عليها مدينة زبيد.
ويقول رئيس جمعية الكتّاب السياحيين في اليمن الكاتب ياسين التميمي، إن مدينة زبيد لعبت أدواراً مؤثرة منذ أن اختطها الوالي العباسي محمد بن زياد مقراً لوالي ولاية اليمن عام 204، قبل أن يخرج عن طاعة الدولة في بغداد ويؤسس دولته في اليمن ويتخذ من زبيد عاصمة له، حيث استمرت تؤدي وظيفتها كعاصمة سياسية لثلاث دول (الزيادية والنجاحية والدولة المهدية)، وازدهرت بفضل دورها العلمي والثقافي في عهد الرسوليين لتصبح معه زبيد واحدة من أعظم الجامعات في العالم الإسلامي.